أما في حجة الوداع فقد رمل النبي صلى الله عليه وسلم في الأشواط الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر لأن العلة التي من أجلها شرع الحكم وهو إغاظة الكفار الذين كانوا يشاهدون قد انقطعت فصار الرمل من الحجر إلى الحجر عبادة محضة ولم يكن القصد منه الإغاظة لأن الإغاظة انتهت.
ولكن هل الطائف يذكر في هذه الحال حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قدموا في عمرة القضاء أو يذكر المعنى الأصلي المقصود وهو إغاظة الكفار أو الأمرين ؟
إذا تذكر الأمرين فهو خير، يعني يتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوا ذلك فيقتدي بهم ولا سيما فعله في حجة الوداع وأيضا يذكر أن من شأن المسلم أن يفعل ما يغيظ الكفار
28 – مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الحجر إلى الحجر لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأن السنة المشي في الأربعة الباقية. فإن قال قائل: إذا دار الأمر بين أن أرمل مع البعد عن الكعبة وبين أن أمشي مع القرب فأيهما أقدم ؟
الجواب: قدم الأول فارمل ولو بعدت عن الكعبة ( لأن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها ) وهذه القاعدة لها أمثلة :
مثال ذلك : لو أن رجلاً حين دخل عليه وقت الصلاة وهو حاقن أو بحضرة طعام فهل الأولى أن يقضي حاجته ويأكل طعامه ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة عن أول وقتها ؟ أو العكس ؟
الجواب: الأول فهنا راعينا نفس العبادة دون أول الوقت لأنه إذا صلى فارغ القلب مقبلاً على صلاته كانت الصلاة أكمل.
مثال آخر : لو أن شخصاً أراد أن يصلي في الصف الأول وحوله ضوضاء وتشويش أو حوله رجل له رائحة كريهة تشغله فهل الأولى أن يتجنب الضوضاء والرائحة الكريهة ولو أدى ذلك إلى ترك الصف الأول ؟ أو أن يصف في الصف الأول مع وجود التشويش أو الرائحة الكريهة ؟
فالجواب : لاشك أن الأولى تجنب التشويش وترك الصف الأول لأن هذا يتعلق بذات العبادة.
29 – أن الطواف بالبيت سبعة أشواط كاملة . فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح . كما لو نقص شيئاً من الصلاة فإنها لا تصح .
30 – أنه تسن الصلاة خلف المقام بعد الطواف ومعلوم أن الركعتين خلف المقام قريباً منه أفضل من كونها بعيداً عنه أو ليست خلفه . لكن إذا لم يتيسر للإنسان أن يصلي خلف المقام قريباً منه فليصل خلف المقام بعيداً منه فإن لم يتيسر فليصل في أي مكان من المسجد لأن المطلوب منه شيئان : الأول: الصلاة والثاني : كونها خلف المقام .
فإن تعذر المكان بقيت مشروعية الصلاة وليس من شرط الصلاة أن تكون خلف المقام حتى نقول إذا تعذر خلف المقام سقطت الصلاة .
31 – أنه ينبغي للإنسان بعد أن يصلي الركعتين أن يرجع إلى الركن فيستلمه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن هل هذا مشروط بما إذا أراد السعي بعد الطواف ؟
الجواب : نعم هذا في الطواف الذي يكون بعده سعي ينبغي أن يتقدم إلى الركن بعد الركعتين فيستلمه أما الطواف الذي ليس بعده سعي كطواف الوداع مثلا وطواف الإفاضة لمن سعى بعد طواف القدوم فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجع إلى الركن فاستلمه .
32 – أنه ينبغي المبادرة بالسعي بعد الطواف بدون تأخير وهذا على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الوجوب ولهذا قال العلماء رحمهم الله : إن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست بشرط فلو طاف في أول النهار وسعى في آخره فلا بأس لكن الأفضل الموالاة .
33 – أنه ينبغي أن يخرج من باب الصفا لأنه أيسر، ولو كان المسجد الحرام فيما سبق له أبواب دون المسعى يخرج منه الناس وأما الآن فيتجه إلى جهة الصفا .
34 – أنه ينبغي إذا دنا من الصفا أن يتلو الآية ) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ((88) اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وليشعر نفسه أنه إنما سعى لأنه من شعائر الله وتعظيماً لشعائر الله عز وجل وحرماته .
35 – أنه ينبغي أن يقول : أبدأ بما بدأ الله به ليتحقق بذلك الامتثال . ولا يقال هذا الذكر إلا إذا أقبل على الصفا من بعد الطواف فلا يقال بعد ذلك لا عند المروة ولا عند الصفا في المرة الثانية لأنه ليس ذكرا يختص بالصعود وإنما هو ذكر يبين أن ابتداء الإنسان من الصفا إنما هو لتقديم الله له .
36 – أن ما بدأ الله به فهو أولى بالتقديم ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالصفا لأن الله بدأ به.
37 – أنه ينبغي صعود الصفا حتى يرى البيت فيستقبله وهو واضح من قوله : «فرقي الصفا حتى رأى البيت » .
38 – أنه ينبغي في هذه الحال أن يوحد الله ويكبره ويقول الذكر ويدعو بين الأذكار التي يقولها ثلاث مرات وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ رفع يديه رفع دعاء وليس رفع إشارة كما يفعل في الصلاة .
39 – أن السنة أن يمشي ما بين الصفا إلى طرف الوادي الشرقي ثم يسعى من طرف الوادي الشرقي إلى طرفه الشمالي ثم يمشي إلى المروة .
40 – أن الإسراع في كل المسعي ليس بمشروع .
41 – أنه ينبغي الإسراع في بطن الوادي لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وبطن الوادي الآن جعل له علم منصوب ( عمود أخضر ) فإذا وصلته فابدأ بالإسراع .
42 – أنه ينبغي لك وأنت تسعى أن تستشعر بأنك في ضرورة إلى رحمة الله عز وجل كما كانت أم إسماعيل رضي الله عنها في ضرورة إلى رحمة الله سبحانه وتعالى فكأنك تستغيث به تبارك وتعالى من آثار الذنوب وأوصابها .
43 – أن الإسراع في السعي مشروع في كل الأشواط السبعة لأن جابراً رضي الله عنه لم يستثن شيئاً منه بخلاف الرمل في الطواف فمشروع في الثلاثة الأولى .
وفرق آخر هو أن الإسراع في السعي في جزء منه والرمل في الطواف في جميع الأشواط الثلاثة فهذان فرقان .
الفرق الثالث : أن الإسراع في السعي أشد من الرمل في الطواف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسرع جداً بخلاف الطواف فإنه يرمل والرمل إسراع المشي دون الخبب يعني : دون الركض الشديد .
44 – أن اختتام الأشواط السبعة يكون بالمروة. وعند الاختتام هل يقف ويدعو ؟
الجواب : لا ؛ لأن الدعاء والذكر إنما هو في ابتداء الشوط وليس في انتهائه فإذا انتهى من المروة فلينصرف ولا يقف للدعاء , كما قلنا في الطواف فإن التكبير يكون عند ابتداء الشوط لا عند انتهائه.
45 – أن الأيدي لا ترفع حال الذكر والدعاء لا في السعي ولا في الطواف لأن الذين وصفوا طواف النبي صلى الله عليه وسلم ودعاءه فيه ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) لم يذكروا رفع اليدين وكونهم يذكرون رفع اليدين على الصفا وعلى المروة يدل على أن ما عدا ذلك ليس فيه رفع .
46 – جواز قول (لو) إذا كان لقصد الإخبار لقوله ( لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ) .
47 - حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الحق.
48 – مشروعية فسخ نية الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً إلا أن يسوق الهدي .
49 – أن من فسخ نية الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً فإنه يتحلل بالعمرة تحللاً كاملاً .
فإن قلت : هل يجوز أن يفسخ الإنسان الحج إلى عمرة ليتحلل منها وينصرف إلى أهله .
فالجواب : لا . لأنه إنما أمر بفسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً . والمتمتع أفضل ولم يرخص له أن يفسخ الحج إلى عمرة ليتحلل عن قرب ويرجع إلى أهله .
50- أن الحج يمتاز عن غيره من العبادات بجواز تغيير النية فيه . فنجد الرجل يحرم بالحج ثم يقلبه إلى عمرة ليصير متمتعاً ويصح ويحرم بالعمرة أولاً ثم يضيق عليه الوقت فيدخل الحج عليها ليصير قارناً ويصح .
كما أن الحج يخالف غيره في النية بأنه لو نوى الخروج منه لم يخرج منه بينما العبادات الأخرى يخرج منها . وإذا فعل محرماً في العبادات الأخرى تبطل العبادة كما لو أكل أو شرب في الصلاة أو تكلم فيها . لكن في الحج , المحظورات فيه لا تبطله إلا الجماع قبل التحلل الأول يفسده ويجب المضي فيه وقضاؤه من السنة الأخرى بخلاف غيره من العبادات .
51 - أن التمتع أفضل الأنساك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به من لم يسق الهدي ولأنه أكثر عملاً لأنه يأتي بأفعال العمرة كاملة وأفعال الحج كاملة ولأنه أيسر لمن قدم مكة في وقت مبكر حيث يتمتع بالحل فيما بين العمرة والحج . إلا لمن ساق الهدي فالقران أفضل لتعذر التمتع في حقه فالتمتع في حق من ساق الهدي لا يمكن لأنه لا يمكن أن يحل .
ولكن هل الأفضل أن يسوق الهدي ويقرن أو الأفضل أن لا يسوق الهدي ويتمتع ؟
في هذا خلاف بين العلماء رحمهم الله منهم من قال الأفضل أن لا يسوق الهدي ويتمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم .
ومنهم من قال سوق الهدي والقران أفضل لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أظهر في إظهار الشعائر . لأن الإنسان يأتي بالهدي معه يسوقه وهذا لا شك أن فيه من إظهار الشعائر ما ليس فيمن لم يسق الهدي . وأجابوا عن قوله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت أنه قال ذلك من أجل أن يطيب قلوب أصحابه وأنه يقول لو علمت بأن الأمر سيبلغ منكم ما بلغ حتى يشق عليكم هذه المشقة ما سقت الهدي ولأحللت معكم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك الاختيار مراعاة لأصحابه كما ترك الجهاد عليه الصلاة والسلام في كل سرية مراعاة لأصحابه الذين لا يستطيعون أن يصاحبوه في كل سرية وليس عنده ما يحملهم عليه . وكما ترك الصيام مراعاة لأصحابه فقالوا إن قوله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لهذا المعنى .
وعندي أن الأقرب في هذا التفصيل فإن كانت السنة في سوق الهدي مندثرة فالقران أفضل وإلا فالتمتع أفضل .
52 – أن من ساق الهدي ليس له إلا القران .
53 – أنه لا يشترط لسوق الهدي أن يكون من بلده .
54 – أن التعليم يكون بالقول وبالفعل لقوله :« فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال:« دخلت العمرة في الحج »» وأخذ منه بعض المعاصرين التعليم على السبورة لأن السبورة ترسم للإنسان العلم. والعلم إذا رسم للإنسان يكون أدعى لثباته في النفس إذ الإنسان لا يزال يستحضر هذه الصورة فتبقى في ذهنه .
55 – أنه ينبغي للمحلين بمكة أن يدفعوا إلى منى في اليوم الثامن محرمين بالحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دفعوا إليها ولا ينبغي أن يدفع إليها قبل اليوم الثامن على طريق التنسك والعبادة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يدفعوا قبل اليوم الثامن .
56 – أن أعمال الحج تبتدئ من ضحى اليوم الثامن ويتفرع على ذلك ثلاث فوائد :
57 – منها أنه فيما نرى لا يشرع التمتع لمن قدم مكة بعد أوان أعمال الحج فمثلا لو جئت بعد الظهر في اليوم الثامن فليس هناك تمتع لأن الله يقول : ) فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ((89) فمنتهى التمتع الحج وأفعال الحج تبتدئ باليوم الثامن إذاً فلا حاجة للتمتع ونقول : إن شروعك في الحج ودخولك فيه في هذه الحال أفضل من العمرة فإما أن تفرد وإما أن تقرن أما التمتع فقد زال وقته الآن.
58 – ومنها أنه لا يشرع لمن أراد الإحرام يوم التروية أن يذهب إلى البيت أي المسجد الحرام ويحرم من المسجد بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك والترك مع وجود السبب سنة يعني إذا وجد سبب الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعل كانت السنة تركه وهذا سببه موجود ولم يذهب واحد من الصحابة ليحرم من المسجد فدل ذلك على أن السنة أن يحرموا من أماكنهم التي هم نازلون فيها.
59 – ومنها أنه ينبغي أن تكون صلاة الظهر يوم التروية في منى هذا هو الأفضل ويتفرع على ذلك ثلاث فوائد :
60 – منها أنه يتبين حرمان قوم من الناس يريدون الحج ويبقون في أماكنهم فإذا كان بعد العصر أحرموا بالحج وخرجوا إلى منى نقول هذا وإن كان جائزاً لكن الإنسان حرم نفسه لأن بقاءه في منى في ذلك اليوم أفضل من بقائه في المسجد الحرام وغيره.
ولهذا لما كان يوم التروية هذا العام يوم الجمعة صار كثير من الحجاج يتساءلون هل الأفضل أن نصلي الجمعة في المسجد الحرام ثم نخرج إلى منى أو الأفضل أن نخرج إلى منى في الصباح في الضحى ونصلي الظهر في منى ؟
والجواب : الثاني أفضل لأن بقاءك في منى عبادة وأنت ما جئت من بلادك إلا لأجل هذه العبادة.
61 – ومنها أن الصلاة في منى لا تجمع لأن جابراً رضي الله عنه لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فدل هذا على أنه صلاها على الأصل أي بدون جمع .
وهل يستفاد من حديث جابر رضي الله عنه أن الصلاة في منى تقصر؟
الـجواب : لا يستفاد لكن نستفيده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه(90).
62 – ومنها أنه ينبغي المكث في منى حتى تطلع الشمس ولا يسن الدفع قبل طلوع الشمس لقوله : « ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس » وهو كذلك فإن دفع بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فلا إثم عليه لكن الأفضل أن يتأخر .
63 – قوة النبي صلى الله عليه وسلم في دين الله حيث لم يتبع قومه في الوقوف في مزدلفة بل أجاز حتى أتى عرفة .
64 – أن الدين شَرْع وتوقيف وليس عادة ؛ دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتبع العادة في ذلك بل اتبع ما اقتضته شريعة الله سبحانه وتعالى.
65 – أن نمرة من عرفة بناء على أحد القولين ويتفرع على ذلك فائدتان :
66 – منها أنه لو وقف أحد بنمرة بعد زوال الشمس ولم يدفع إلا بعد الغروب أجزأه الحج ولم أر من صرح به مع أن هذا هو مقتضى هذا القول ولازمه . أما إذا قلنا إن نمرة ليست من عرفة وهو الصحيح كما قلنا فالأمر فيها واضح أنه من وقف فيها لا يجزئه ولا حج له .
67 – أنه ينبغي أن ينزل الحاج بنمرة قبل الوقوف بعرفة والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلو قال قائل : أفلا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نزل بها من باب السهولة لأنه أسمح لوقوفه حتى يستريح ويستعد للوقوف كما قالت عائشة رضي الله عنها في نزوله في المحصب (91) بعد الحج؟
قلنا : الأصل التعبد في جميع أفعال الحج إلا ما قام الدليل على أنه ليس من باب التعبد وأيضا فيمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستريح إذا نزل في عرفة .
68 – جواز استخدام الإنسان غيره لا سيما إذا كان كبيراً أو ذا سلطة والدليل : « أمر بالقصواء فرحلت له » فإن قوله أمر ... فرحلت يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما باشر ترحيلها وإنما أمر فرحلت له , وهذا لا ينافي نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الناس شيئاً لأن هناك فرقاً بين أن تسأل شخصاً شيئاً ويرى أن له منّة عليك وبين أن تسأل شخصاً شيئاً ويرى أن المنّة منك عليه وما يجري من النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الباب كل يفرح أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره ثم هو زعيم أمته عليه الصلاة والسلام فيأمر على وجه السلطة وعلى وجه الإمرة.
69– إعلان الأحكام الشرعية عن طريق الخطابة . والخطابة أحد المجالات التي بها تنشر الدعوة فإن الدعوة تنشر بطرق متعددة منها الخطابة والكتابة والمشافهة وغير ذلك .
70 – حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أمته فإنه كان لا يخفي تبليغ الأحكام بل يعلنها إعلاناً بواسطة الخطابة .
71 – استحباب الخطبة يوم عرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فيستحب أن يخطب الإمام أو نائبه الناس يوم عرفة ويستحب أن يحرص على الأقوال التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة ليقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في أصل الخطبة وفي موضوعها وكلماتها.
72 – أن الخطبة يوم عرفة قبل الأذان لقوله:« ثم أذن ثم أقام » .
73 – أن الربا موضوع كله ولا يؤخذ مهما كان فالربا الثابت في ذمم الناس يجب وضعه ولا يجوز أخذه حتى وإن عقد قبل إسلام العاقد أو قبل جهله . أما ما قبض من قبل من ربا وأكل وأتى الإنسان موعظة من الله فلا يلزمه تقويمه والتخلص منه لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه.
74 – بيان عدل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر من قوله « وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع »فأول ما قضى عليه من أمر الجاهلية ما كان يتصل بأقاربه وهذا كما قال في الحديث الصحيح « وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها »(92) وهكذا يجب على الإنسان أن يكون قائما لله بالعدل لا يفرق بين قريب وبعيد أو غني وفقير أو قوي وضعيف . الناس في حكم الله واحـد لا يتميز أحد منهم بشيء إلا بما ميزه الله به .
75 – وفيه الإشارة إلى أن الذي يتولى طلب الرزق وحصول الكسوة هو الرجل لقوله ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) . أما المرأة فشأنها أن تبقى في بيتها لإصلاح حالها وحال زوجها وحال أولادها وهذا ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم .
76 – أن القرآن عصمة ؛ إذا اعتصم به الإنسان عصم من الضلال في الدنيا والشقاء في الآخرة كما قال تعالى
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى((93) أي لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
77 – وفيه الحث على الاعتصام بكتاب الله والرجوع إليه وأن به العصمة من كل سوء فإن قال قائل : ما تقولون في السنة التي لم تكن موجودة في القرآن بعينها ؟
قلنا : كل سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي موجودة في القرآن قال تعالى
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ((94) وقـال تعالى : ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ((95) وقال تعالى
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ((96) وقال تعالى
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ ((97) فكل سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي من القرآن لكن ليس من اللازم أن ينص عليها بعينها .
78 – اعتراف الصحابة رضي الله عنهم بالجميل للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله « نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت » وهذه الشهادة التي شهدها الصحابة رضي الله عنهم يجب على كل مؤمن أن يشهدها فنحن نشهد أنه قد بلغ وأدى ونصح عليه الصلاة والسلام .
79 – استشهاد الله تعالى على العباد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ.
80 - إثبات علو الله عز وجل . وجه الدلالة الإشارة إلى السماء وعلو الله الـذاتي قد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة .